عليهم، دخلت امرأة في الثلاثين من العمر، جميلة القدّ، صافية الأديم، مليحة القسمات.. سلمت ، فخرجت الكلمات من فمها في حُنُو زاد الصوت العذب من تأثيرها، فأبهرت ثلاثتهم، أرملة الفقيد وابنتها الكبرى وابنها الصغير.. عند باب الفيلا استقبلوها، وتساءلوا في أنفسهم "من تكون؟".. ولم يسألوها.. أدخلتها السيّدة الأرملة ماسكة بيدها الرقيقة، وطلبت منها الجلوس على أريكة في صدر الصالون العريض.. تبادلت معها بعض الكلمات، التي لم تخرج عن الدعاء للفقيد بالرحمة.. جلست المُعزية تنظر إلى الأرملة تارة، وتسرح بعينيها الزرقاوين في الفراغ تارة أخرى..
دخل بعض المعزين من أقرباء الفقيد صحبة زوجاتهم.. أومئوا للسيّدة متسائلين عن الزائرة التي أذابتهم في حسنها.. فهم على يقين تام ألا وجود لامرأة بهذا الحسن في العائلة.. ردّت عليهم الأرملة بصوت خافت:
"والله لا أعرفها، ولم أتعرف عليها بعد"..
استأذنت المُعزية صاحبة المعطف الأسود أرملة الفقيد في الخروج.. شيعتها إلى باب الفيلا شاكرة لها سعيها، لكنها لاحظت ترددها في الخروج، وكونها تريد قول شيء ما، فسألتها:
- ماذا تريدين قوله يا سيّدتي؟
تقدمت صاحبة المعطف الأسود خطوة نحو السيّدة، وقالت لها كلاما خافتا لم تتحمله الأرملة، فخرّت على الأرض مغشيا عليها..